إنتاج جماعي
عادت خالتي من ديار الغربة . و في اليوم الثاني اجتمعنا في قاعة الجلوس وقت السهرة . و عندما حان موعد توزيع الهدايا ، أهدتني خالتي حذاء جميلا، فرحت به. و أكملت السهرة معهم محتضنا إياه تملأني الغبطة و السّرور.
و ما إن عدت إلى المنزل حتى فتحت الصندوق الذي يوجد فيه حذائي الأسود اللّمّاع . و شرعت في قيسه . لكنه لم يدخل في رجلي. فحاولت إدخاله من جديد. بل حاولت غصبه على ذلك . فلم أفلح .عندئذ فركت رجلي بالصابون حتى أستطيع إيلاجه. لكنني فشلت من جديد. و عندما علمت أمي بأن الحذاء لم ينطبق على رجلي أمرتني بإعطائه لأخي الأصغر ليقيسه. فأمسكه بيده. ثم أدخله في رجله فدخل بكل سهولة . ففرح لذلك فرحا شديدا . و لكنني انتزعته من رجله بعنف . و هذا ما جعل أمي تطلب مني أن أعطيه الحذاء و أفرط في هديتي الثمينة.فرفضت ذلك رفضا باتا .
تدخل أبي هذه المرة. و طلب مني أن أسلم أخي ..... الحذاء فقلت:" لن أفرط في حذائي و لن أعطيه إلى أحد". و هددني أبي بالضرب المبرح على ظهري بالحزام إن لم أعطه إياه . فخاطبت نفسي قائلا:" ستكون الضربات موجعة و قاسية ؛و الأحسن لي أن أوافق قبل فوات الأوان ، " غير أنني تراجعت و قلت:"سوف تبرد لسعات الحزام و يبقى الحذاء ملكي و في يدي . لن أفرط في كنزي الحبيب".
و من حسن حظي أن أبي انشغل في الحديث مع أمي استعدادا للنوم ؛ فلما دخل أخي غرفتي رحت أتجادل معه على تسليمه الحذاء . ثم بدأ يجذبه من جهة و أنا من جهة . و علا صياحنا و ضجيجنا . فجاء أبي مسرعا و تدخل بيننا لحسم الأمر . و طلب مني تسليم الحذاء.
و هذا الأمر زاد من غضبي. و جعلني أفقد صوابي ، و أفر بالحذاء و أغلق باب الغرفة على نفسي غير أن أبي لحق بي. و راح يطرق الباب بشدة . و من سوء الحظ أن الأبواب كلها تفتح بمفتاح واحد . فقد فتحت أمي باب الغرفة و دخلت و هي تقول:" يا بني! اعطني حذاءك لأسلمه إلى أخيك . و سوف أوصي خالتك باقتناء حذاء آخر جديد أكبر و أجمل من هذا الحذاء" .
و لما أبيت و أصررت على الإباء انتزعت أمي الحذاء من حضني و وضعته جانبا فكادت روحي تخرج معه و أحسست بأنني أفقد شيئا عزيزا علي. و لن أتمكن من تعويضه أبدا ، فرحت أبكي و أنتحب و أفرك رجلي بأرضية الغرفة و أستغيث بخالتي و أشكو لها استحواذهم على حذائي و قد قلت في غضبي:" سوف أشكوكم غدا إلى خالتي ، و سوف تأخذ لكم هداياكم ". ...