من إنتاجات التلميذة كنوز الزرّاد 6 - أ

dolls 14يعيش الإنسان في هذه الدّنيا عمرا محدودا. و كلّ ساعة تمرّ من حياته لا رادّ لها و لن يستطيع تعويضها، لذلك قال أحد الحكماء: « إنّ الوقت من ذهب. »

و قال البريطانيون أيضا أنّ الوقت ثروة. و تقول الحكمة الإسلاميّة أنّ العمر ساعة. فمن الحكمة أن نحسن استغلال وقتنا و ساعات عمرنا القصيرة و نستغلّها فيما يرجع علينا بالنّفع في كلّ مناحي هذه الحياة الفانية.

أن نستغلّ وقتنا أي أن نستثمره لصالحنا فيما ينفع و يثمر، كالعمــــــل و الدّراسة و للحسنات، و أن لا نفعل مثل الجهّـــــال عديمي العقــــــــل و الحكمة الّذين يفنون أعمارهم فيما لا ينفع و لا يفيد.

 و أغرب ما يقولون أنّهم يلهون و يلعبون لقتل الوقت، الّذي هو حقّا الّذي يقتلهم، إذ كلّ ساعة تمرّ من أعمارنا لا نستطيع فيها كسب منفعة من علم أو رزق أو ثواب، تعدّ خسارة كبرى لا نستطيع تعويضها، إذ أنّ  الوقت مرّ و لن يعود مرّة ثانية.

فيا من تملك ذرّة فعل في رأسك و ترجو النّجاح في حياتك، فلا بدّ لك أن تعظّم قيمة الوقت و السّاعات و الدّقائق و الثّواني، و تستغلّ كلّ مراحل و أوقات عمرك و ساعات أيّامك فيما ينفعك في تنمية حيـــــاتك و ازدهار عيشتك و نفع محيطك و من حولك.

و لله درّ ذلك الشّيخ الّذي سأله ذات يوم الحجّاج هازئا به و هو يزرع نخلا لن يثمر يقينا في حياته، إذ هو طاعن في السنّ مقبل على مفارقة الدّنيا قبل إثمار زرعه.

فردّ الشّيخ بكلّ حكمة و ثقة و رأي سديد: « زرعوا فأكلنا و نزرع فيأكلون، أنسيت يا حجّاج ما قال الرّسول الأكرم : « اعمل لدنياك كانّك تعيش أبدا و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا.» »

و لا أعظم من هذا الدّرس لحسن استغلال أوقاتنا و ما توهّمنا أنّه وقت فراغ يرفّه عنّا ظاهرا و ينفعنا باطنا



barres10
.

dolls_14.gifيحكى أنّ أرنبا صغيرا كان يأكل العشب في الغابة، يلهو و يلعب و يسعى إلى ما رزقه الله من عشب طريّ يانع و جزر و خيرات من نبات الأرض.

فجأة ظهر من وراء شجرة ذئب جسور مترصّد للأرنب منذ حين ينتظر منه غفلة ليطلق عنانه للّحـــــــــاق به. فارتعب الأرنب و فزع و انطلق كالسّهم يبحث عن مكان يختبئ فيه و ينجو بحياته. و لكن أين المفرّ ؟

فهذا الذّئب الّذي يركض وراءه و يعوي من شدّة الجوع الّذي أصابه، قد استجمع ما بقي له من قوّة رغم الوهن الّذي أصـــــــــــابه من شدّة الجوع، و هو يرى رزقه و فريسته و لقمة عيشه تريد أن تفلت منه و تفرّ.

و اسمرّت هذه المطاردة : الأرنب المسكين يحاول قصارى جهده أن ينجو بحياته و ينقذ روحه من أن تزهق، أمّا ذاك الذّئب المتشبّث باللّحـاق به مقرّا في عدم التّفريط في سبب حيـاته و ضمان عيشه، فقد زاد من سرعته و استنهض ما بقي من همّته حتّى لحق بالأرنب قرب شجرة سنديان باسقة، فارتبك الأرنب و حصر تحت الجذع و خرّت قــــــــــــواه و استسلم لقضاء الله و قدره و كأنّه أقرّ بمنطق القوّة و قانون الغاب لمّا رأى هذه السّنديانة العظيمة ، فالنّصر للقوّة و هذا شيء طبيعيّ.

و في لمح البصر ، رفع الذّئب يده الثّقيله و ضربه ضربة عنيفة، فخرّ المسكين صريعا على الأرض فأسرع يلتهمه  و يمزّق لحمه إربا إربا بأنيابه الحادّة و بريق الفخر و النّصر يشعّ من عينيه معبّرا عن فخره لما أنجزه و حقّقه و كأنّه لبّى نداء غريزته و فصيلته، فالافتراس هو غايته و ضمان بني جنسه

barres10

.

dolls 14يحكى أنّ أرنبا صغيرا كان يأكل العشب في الغابة، يلهو و يلعب و يسعى إلى ما رزقه الله من عشب طريّ يانع و جزر و خيرات من نبات الأرض.

فجأة ظهر من وراء شجرة ذئب جسور مترصّد للأرنب منذ حين ينتظر منه غفلة ليطلق عنانه للّحـــــــــاق به. فارتعب الأرنب و فزع و انطلق كالسّهم يبحث عن مكان يختبئ فيه و ينجو بحياته. و لكن أين المفرّ ؟

فهذا الذّئب الّذي يركض وراءه و يعوي من شدّة الجوع هو مفترس قويّ ، متغطرس، لا هدف له سوى الانقضاض عليه بكلّ قوّته زاهقا روحه. هذا هو قانون الغاب و سلطان القوّة : فالقويّ يأكل الضّعيف.

و في أثناء المطاردة و شدّة هول هذا الصّراع، بين الأرنب المسكين الضّعيف و الذّئب المعتمد على قوّة جسده، لاحت للأرنب فكرة قد تخلّصه من هذا الحيوان الشّرس: أنّ سلطان العقل هو الأقوى و أنّ القوّة المطلقة بدون إعمال العقل و ترشيدا من الفكر هي إهدار للطّاقة. فالعقل قادر بالحنكة و التّدبير أن يجعل من الضّعف قوّة. كما أنّ استعمــــــال الحيل و المكائد جائز في مثل هذه الظّروف، و قد يقود إلى هزم الأقوياء.

فشدّ ذلك من عزم الأرنب و قوّى من عزيمته و طرد الفزع من قلبه، فقرّر استعمال عقله لتدبير حيلة يفلت بها من براثن هذا المتغطرس الّذي لازال يطارده، أو حياكة مكيدة قد تمكّنه من النّجاة بروحه. فجال ببصره بين أرجاء الغابة يبحث عن جحر يرتمي في غياهبه أو شقّ في شجرة يسعه و يمنع عنه مخالب هذا الكائن المتوحّش.

حصل كلّ هذا و الأرب مسرع مراوغ للذّئب الّذي يكاد اللّحاق به، و إذ بسديانة عظيمة تلوح للأرنب، شاهقة باسقة، عظيمة الجذع ، جذورها ثابتة في الأرض  و أغصانها ممتدّة عنان السّماء. فتوجّه الأرنب و كأنّه ينشد منها الحماية و يرجو فيها النّجاة. و إذ به يرى جحر سنّور يكاد يسع الأرنب، فارتمى بكلّ قوّته موجّها رأسه باسطا ذراعيه و كأنّه سهم ابتلعه ذلك الجحر. بقد ارتمى الأرنب داخل جذع السّنديانة لاهثا خائر القوى من هول مـــــا جرى عليه و جسمه الضّعيف يتصبّب عرقا من شدّة ما بذله من جهد، و لكن تعتـــــــــــــري قلبه راحة و طمأنينة لا مثيل لها، و يختلجه شعور بالنّصر و التّغلّب على الذّئب الّذي بقي أمام الجحر مذهولا ، مصدوما لا يدري ما يفعل. فالفريسة الّتي كانت على بعد خطوة منه، و الّتي سال لها لعابه أفلتت منه و ابتلعتها هذه الشّجرة.

فتأخّر خطوتين و رفع رأسه و كأنّه يتأمّل عظمة هذه السّنديانة و يقول في نفسه:« طوبى لمن استعمل عقله و أعمل فكره و نجا بحيلته. » 
Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :